الأربعون النووية -
الجزء السابع
كتبهامحمود مرسي ، في 2 ديسمبر 2007 الساعة: 14:01 م
الأربعــون النووية
الجزء السابع
…..
الحديث الخامس
والعشرون - ذهب أهل الدثور بالأجور …
عن أبي ذر رضي الله عنه أيضاً: أن ناساً من أصحاب رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) : يا رسول الله ذهب أهل الدثور
بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أو ليس قد
جعل الله لكم ما تصدقون؛ إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة،
وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا
رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو
وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. (رواه مسلم)
شرح وفوائد
الحديث
قوله: قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال:((
أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر )) اعلم أن شهوة الجماع أحبها الأنبياء
والصالحون ، قالوا : لما فيها من المصالح الدينية والدنيوية من غضِّ البصر وكسر
الشهوة عن الزنا وحصول النسل الذي تتم به عمارة الدنيا وتكثر الأمة إلى يوم
القيامة ، قالوا : وسائر الشهوات يقسي تعاطيها القلب ، إلا هذه فإنها ترقق القلب.
…..
…..
الحديث السادس
والعشرون - كل سلامى من الناس عليه صدقة ..
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) : كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه
الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها
متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها صدقة، وتميط الأذى عن الطريق
صدقة. (رواه البخاري ومسلم)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( كل سلامى من الناس عليه صدقة ))
والسلامى أعضاء الإنسان ،وذكر أنها ثلاث مائة وستون عضواً منها صدقة كل يوم ، وكل
عمل بر من تسبيح أو تهليل أو تكبير أو خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ، فمن أدى هذه
في أول يومه فقد أدى زكاة بدنه فيحفظ بقيته .
وجاء في
الحديث: (( أن ركعتين من الضحى تقوم مقام ذلك )).
وفي الحديث:
(( يقول الله تعالى : يا ابن آدم صلِّ لي أربع ركعات في أول اليوم أكفك في أول
اليوم وأكفك في آخره )).
…..
…..
الحديث السابع
والعشرون - البر حسن الخُلق …
عن النواس بن سمعان رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم)
قال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن
يطلع عليه الناس. (رواه مسلم) .
وعن وابصة
بن معبد رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: جئت تسأل عن
البر؟ قلت نعم، قال: استفت قلبك،
البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس، وتردد في
الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. (حديث حسن رويناه في
مسندي الإمامين: أحمد بن حنبل والدارمي بإسناد حسن)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم:(( البر حسن الخلق )) وقد تقدم الكلام في
حسن الخلق ، قال ابن عمر : البر أمر هين ، وجه طلق ولسان لين . وقد ذكر الله تعالى
آية جمعت أنواع البر فقال تعالى :{ولكن البرَّ مَنْ آمَنَ
بالله واليومِ الآخر } [البقرة177].
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( والإثم ما حاك في نفسك )) أي اختلج وتردد ولم تطمئن النفس
إلىفعله ، وفي الحديث دليل على أن الإنسان يراجع قلبه إذا أراد الإقدام على فعل
شيء فإن اطمأنت عليه النفس فعله وإن لم تطمئن تركه ، وقد تقدم الكلام على الشبهة
في حديث (( الحلال بين والحرام بين )). ويروى أن آدم عليه الصلاة والسلام أوصى
بنيه بوصايا، منها أنه قال :إذا أردتم فعل شيء فإن اضطربت قلوبكم فلا تفعلوه ،
فإني لما دنوت من أكل الشجرة اضطرب قلبي عند الأكل . ومنها أنه قال : إذا أردتم
فعل شيء فانظروا في عاقبته فإني لو نظرت في عاقبة الأكل ما أكلت من الشجرة . ومنها
أنه قال :إذا أردتم فعل شيء فاستشيروا الأخيار فإني لو استشرت الملائكة لأشاروا
عليّ بترك الأكل من الشجرة .
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( وكرهت أن يطلع عليه الناس )) لأن الناس قد يلومون الإنسان على
أكل الشبهة وعلى أخذها وعلى نكاح امرأة قد قيل إنها أرضعت معه ولهذا قال صلى الله
عليه وسلم :(( كيف وقد قيل )). وكذلك الحرام إذا تعاطاه الشخص يكره أن يطلع عليه
الناس ، ومثال الحرام الأكل من مال الغير ، فإن يجوز إن كان يتحقق رضاه ، فإن شك
في رضاه حرم الأكل ،وكذلك التصرف في الوديعة بغير إذن صاحبها ، فإن الناس إذا
اطلعوا على ذلك أنكروه عليه ، وهو يكره اطلاع الناس على ذلك لأنهم ينكرون عليه .
قوله صلى
الله عليه وسلم: (( ما حاك في النفس ، وإن أفتاك الناس وأفتوك )).
مثاله
الهدية إذا جاءتك من شخص ، غالب ماله حرام ،وترددت النفس في حلها ،وأفتاك المفتي
بحل الأكل فإن الفتوى لاتزيل الشبهة ،وكذلك إذا أخبرته امرأة بأنه ارتضع مع فلانة
، فإن المفتي إذا أفتاه بجواز نكاحها لعدم استكمال النصاب لا تكون الفتوى مزيلة
للشبهة ، بل ينبغي الورع وإن أفتاه الناس ،والله أعلم.
…..
…..
الحديث الثامن
والعشرون - وعظنا رسول الله …
عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظَنا رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) موعظةً وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول
الله كأنها موعظة مودّع، فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله عزّ
وجلّ، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً
كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم
ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. (رواه أبو
داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح)
شرح وفوائد
الحديث
قوله :((وعظنا )) الوعظ هو التخويف.
قوله
:((وذرفت منها العيون )) أي بكت ودمعت.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( عليكم بسنتي ))أي عند اختلاف الأمور الزموا سنتي ، وعضوا عليها
بالنواجذ وهي مؤخر الأضراس وقيل : الأنياب ،والإنسان متى عض بنواجذه كأن يجمع
أسنانه فيكون مبالغة ، فمن العض على السنة الأخذ بها وعدم اتباع آراء أهل الأهواء
والبدع ، وعضوا : فعل أمر من عض يعض ، وهو بفتح العين ، وضمها لحن ،ولذلك تقول :
بر أمك يازيد ، لأنه من بر يبر ولا تقول ، بر إمك بضم الباء .
قوله صلى
الله عليه وسلم: ((وسنة الخلفاء الراشدين المهديين )) رضي الله عنهم ، يريد
الأربعة وهم : أبوبكر ، وعمر وعثمان، وعلي.
…..
…..
الحديث التاسع
والعشرون - أخبرني بعمل يدخلني الجنة …
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني بعمل
يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم وإنه
ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة،
وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم
جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا:
(تتجافى جنوبهم عن المضاجع) حتى بلغ (يعملون) ثم قال: ألا أخبرك
برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله،
قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه
الجهاد، ثم قال: ألا أخبرك
بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: كفّ عليك
هذا، قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
فقال : ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على
وجوههم أو قال: على مناخرهم
إلا حصائد ألسنتهم. (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح)
شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( وذرون سنامة )) أي أعلاه ، و((مِلاك
الشيء )) بكسر الميم: أي مقصوده.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( ثكلتك أمك )) أي فقدتك ، ولم يقصد رسول الله صلى الله عليه
وسلم حقيقة الدعاء بل جرى ذلك على عادة العرب في المخاطبات ، و(( حصائد ألسنتهم ))
جناياتها على الناس بالوقوع في أعراضهم والمشي بالنميمة ونحو ذلك ، وجنايات اللسان
: الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وكلمة الكفر والسخرية وخلف الوعد ، قال الله
تعالى :{كَبُرَ مقتاً عِنْدَ الله أنْ تقولوا ما لا
تَفْعَلون } [الصف:30].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق