الأربعون النووية -
الجزء الثامن
كتبهامحمود مرسي ، في 16 ديسمبر 2007 الساعة: 13:42 م
الأربعــون النووية
الجزء الثامن
…..
الحديث
الثلاثون - إن الله تعالى فرض فرائض فلاتضيعوها ..
عن أبي ثعلبة الخشني جرثوم بن ناشر رضي الله عنه عن رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) قال: إن الله تعالى فرض فرائض فلاتضيعوها، وحد
حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم غير نسيان
فلا تبحثوا عنها. (حديث حسن رواه الدارقطني وغيره)
شرح وفوائد
الحديث
وقوله صلى الله عليه وسلم :(( حرم أشياء فلا تنتهكوها )) أي فلا
تدخلوا فيها.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( وسكت عن أشياء رحمة لكم )) تقدم معناه.
…..
…..
الحديث الحادي
والثلاثون - دلّني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني
الناس…
عن أبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى
النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله دلّني على عمل إذا عملته أحبني
الله وأحبني الناس، فقال: ازهد في الدنيا يحبك
الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس. (حديث حسن،
رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم(( ازهد في الدنيا يحبك الله) ) الزهد :
ترك ما لا يحتاج إليه من الدنيا ،و إن كان حلالاً ،و الاقتصار على الكفاية ،والورع
: ترك الشبهات قالوا : وأعقل الناس الزهاد ، لأنهم أحبوا ما أحب الله ، وكرهوا ما
كره الله من جمع الدنيا ، واستعلموا الراحة لأنفسهم . قال الشافعي رحمه الله تعالى
: لو أوصى لأعقل الناس صرف للزهاد.
أو ما ترى
الخطّاف حرَّم زادهم — فغدا رئيساً في الحجور قريباً
وللشافعي
رضي الله عنه في ذم الدنيا قوله : (( حرام على نفس التقي ارتكابها )) يدل على
تحريم الفرح بالدنيا ، وقد صرح بذلك البغوي في تفسير قوله تعالى: {وفرحوا
بالحياة الدنيا} [الرعد:26].
ثم المراد
بالدنيا بالمذمومة : طلب الزائد على الكفاية ، أما طلب الكفاية فواجب ، قال بعضهم
: وليس ذلك من الدنيا ، وأما الدنيا فالزائدة على الكفاية ،واستدل بقوله تعالى : { زُيِّن
للناسِ حُبُّ الشهواتِ من النساءِ والبَنِينَ والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة
والخيل المسوُّمِة والأنعامِ والحرث ذلك متاعُ الحياةِ الدنيا والله عنده حسن
المآب } [آل عمران :14]. فقوله تعالى ذلك إشارة إلى ما
تقدم من طلب التوسع والتبسط ، قال الشافعي رحمه تعالى : طلب الزائد من الحلال
عقوبة ابتلى الله بها أهل التوحيد . ثم بعد ذلك إذا فرح بها لأجل المباهاة
والتفاخر والتطاول على الناس فهو مذموم ، ومن فرح بها لكونها من فضل الله عليه فهو
محمود.
قال عمر رضي
الله عنه : اللهم إنا لا نفرح إلا بما رزقتنا .
وقد الله
تعالى المقتصدين في العيش فقال تعالى : {والذين إذا أنفقوا لم
يُسرفوا ولم يَقتُروا وكان بين ذلك قواما ً} [الفرقان:67].
وقال صلى
الله عليه وسلم :(( ما خاب من استخار ولا ندم من استشار ، ولا افتقر من اقتصد )).
وكان يقال : القصد في المعيشة يكفي عنك نصف المؤنة ، والاقتصاد : الرضى بالكفاية ،
قال بعض الصالحين : من اكتسب طيباً وأنفق قصداً قدم فضلاً.
…..
…..
الحديث الثاني
والثلاثون - لا ضرر ولا ضرار…
عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) قال: لا ضرر ولا ضرار. (حديث حسن
رواه ابن ماجه والدارقطني وغيرهما مسنداً، ورواه مالك في الموطأ مرسلاً عن عمرو بن
يحيى عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فأسقط أبا سعيد، وله طرق يقوي بعضها
بعضاً)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( لا ضرار )) أي لا يضر أحدكم أحداً
بغير حق ولا جناية سابقة.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( ولا ضرار )) أي لاتضر من ضرك ، وإذا سبك أحد فلا تسبه ، وإن
ضربك فلا تضربه ، بل اطلب حقك منه عند الحاكم من غير مسابة ، وإذا تساب رجلان أو
تقاذفا لم يحصل التقاص ، بل كل واحد يأخذ حقه بالحاكم ، وفي الحديث عنه صلى الله
عليه وسلم قال : (( للمتسابين ما قالا ، وعلى البادي منهما الإثم ، ما لم يعتد
المظلوم بسبب زائد )).
…..
…..
الحديث الثالث
والثلاثون - البينة على المدعي واليمين على من أنكر
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
قال: لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى رجال أموال قوم
ودماءهم، لكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر. (حديث حسن
رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في الصحيحين)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر
)) إنما كانت البينة على المدعي لأنه يدعي خلاف الظاهر والأصل براءة الذمة ، وإنما
كانت اليمين في جانب المدعى عليه لأنه يدعي ما وافق الأصل وهو براءة الذمة .
ويستثنى
مسائل ، فيقبل المدعي بلا بينة فيما لا يعلم إلا من جهته كدعوى الأب حاجة إلى
الإعفاف ، ودعوى السفيه التوقان إلى النكاح مع القرينة، ودعوى الخنثى الأنوثة
والذكورة ، ودعوى الطفل البلوغ بالاحتلام ،ودعوى القريب عدم المال ليأخذ النفقة ،
ودعوى المدين الإعسار في دين لزمه بلا مقابل ، كصداق الزوجة ،و الضمان ،وقيمة
المتلف ،و دعوى المرأة انقضاء العدة بالإقراء ، أو بوضع الحمل ، ودعواها أنها
استحلت وطلقت ،ودعوى المودع تلف الوديعة أو ضياعها بسرقة ونحوها .
ويستثنى
أيضاً: القسامة فإن الإيمان يكون في جانب المدعي مع اللوث ، واللِعان فإن الزوج
يقذف ويلاعن ويسقط عنه الحدود ،و دعوى الوطء في مدة اللعنة ، فإن المرأة اذا
أنكرته يصدق الزوج بدعواه ، إلا أن تكون الزوجة بكراً ، وكذا لو ادعى أنه وطىء في
مدة الإيلاء ،وتارك الصلاة إذا قال : صليت في البيت ،ومانع الزكاة إذا قال : أخرجتها
إلا أن ينكر الفقراء وهم محصورون فعليه البينة ، وكذا لو ادعى الفقر وطلب الزكاة
أعطي ولا يحلف ، بخلاف ما إذا ادعى العيال فإنه يحتاج إلى البينة ، ولو أكل في يوم
الثلاثين من رمضان وادعى أنه رأى الهلال لم يقبل منه إن ادعى ذلك بعد الأكل ، فإنه
ينفي عن نفسه التعزير، وإذا ادعى ذلك قبل الأكل قبل ولم يعزر، وينبغي أن يأكل سراً
لأن شهادته وحده لا تقبل.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( واليمين على من أنكر )) هذه اليمين تسمى يمين الصبر، وتسمى
الغموس ، وسميت يمين الصبر لأنها تحبس صاحب الحق عن حقه والحبس : الصبر ، ومنه قيل
للقتيل والمحبوس عن الدفن مصبر ، قال صلى الله عليه وسلم :(( من حلف على يمين صبر
يقتطع به مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي وهو عليه غضبان )) وهذه اليمين لا تكون
إلا على الماضي، ووقعت في القرآن العظيم في مواضع كثيرة : منها قوله تعالى : {يحِلُفون
بالله ما قالوا } [التوبة:74]، ومنها قوله تعالى إخباراً
عن الكفرة : {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا : والله ربّنا ما
كُنَّا مُشرِكين } [الأنعام:23]. ومنها قوله تعالى: {إنَّ الذين
يشترون بعهدِ الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا
يُكلمُهُم اللهُ ولا ينظرُ إليهم يوم القيامةِ ولا يُزكيهمْ ولُهمْ عذابِّ أليم } [آل
عمران:77].
ويستحب
للحاكم أن يقرأ هذه الآية عن تحليفه للخصم لينزجر.
…..
…..
الحديث الرابع
والثلاثون - من رأى منكم منكراً فليغيره
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. (رواه مسلم)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( وذلك أضعف الإيمان )) ليس المراد أن
العاجز إذا أنكر بقلبه يكون إيمانه أضعف من إيمان غيره ، وإنما المراد أن ذلك أدنى
الإيمان وذلك أن العمل ثمرة الإيمان ،وأعلى ثمرة الإيمان في باب النهي عن المنكر
أن ينهي بيده ، وإن قتل كان شهيداً، قال الله تعالى حاكياً عن لقمان : {يا بُنَّي
أقِمِ الصلاةَ وأمُرْ بالمعروفِ وانْه عن المُنكَرِ واصبِرْ على ما أصابَك } [لقمان:17]
ويجب النهي على القادر باللسان وإن لم يسمع منه ، كما إذا علم أنه إذا سلم لا يُرد
عليه السلام فإنه يسلم.
فإن قيل
قوله صلى الله عليه وسلم :((فإن، لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه )) يقتضي
أن غير المستطيع لا يجوز له التغيير بغير القلب والأمر للوجوب . فجوابه من وجهين :
احدهما أن المفهوم مخصص بقوله تعالى : {وَاصْبِرْ عَلَى مَا
أَصَابَكَ}.
والثاني أن
الأمر فيه يعني رفع الحرج لا رفع المستحب. فإن قيل الإنكار بالقلب ليس تغيير
المنكر فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم ((فبقلبه )).
فجوابه : أن
المراد أن ينكر ذلك ولا يرضاه ويشتغل بذكر الله ، وقد مدح الله تعالى العاملين
بذلك فقال : {وإذا مرُّوا باللّغو مرُّوا كراماً } [الفرقان:72].
…..
الحديث الخامس
والثلاثون - لا تحاسدوا…
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) : لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا
تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم
لا يظلمه ولا يخذله، ولا يكذبه ولا يحقره، التقوى ههنا -ويشير إلى صدره ثلاث مرات-
بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله
وعرضه. (رواه مسلم)
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( لا تحاسدوا )) قد تقدم أن الحسد على
ثلاثة أنواع . والنجش: أصله الارتفاع والزيادة ،و هو أن يزيد في ثمن سلعة ليغر
غيره ، وهو حرام ،لأنه غش وخديعة.
وقوله صلى
الله عليه وسلم :(( ولا تدابروا )) أي لا يهجر أحدكم أخاه وإن رآه أعطاه دبره أو
ظهره قال صلى الله عليه وسلم :(( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام
يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام )).
والبيع على
بيع أخيه ، صورته : أن يبيع أخوه شيئاً فيأمر المشتري بالفسخ ليبيعه مثله أ و أحسن
منه بأقبل من ثمن ذلك ، والشراء علىالشراء حرام : بأن يأمر البائع بالفسخ ليشتريه
منه بأغلى ثمن ، وكذلك يحرم السوم على سوم أخيه ، وكل هذا داخل في الحديث لحصول
المعنى ،و هو التباغض والتدابر ، وتقييد النهي ببيع أخيه يقتضي أنه لا يحرم على بيع
الكافر ، وهو وجه لابن خالويه ، والصحيح لا فرق لأنه من باب الوفاء بالذمة والعهد.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( التقوى ههنا )) وأشار بيده إلى صدره وأراد القلب، وقدتقدم قوله
صلى الله عليه وسلم :(( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله )) قوله صلى
الله عليه وسلك :(( ولا يخذله )) أي عند أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر ، أو عند
مطالبته بحق من الحقوق ، بل ينصره ويعينه ويدفع عنه الأذى ما استطاع.
وقوله صلى
الله عليه وسلم :(( ولا يحقره )) أي فلا يحكم على نفسه بأنه خير من غيره ، بل يحكم
على غيره بأنه خير منه ، أو لا يحكم بشيء فإن العاقبة منطوية ولا يدري العبد بما
يختم له ، فإذا رأى صغيراً مسلماً حكم بأنه خير منه باعتبار أنه أخف ذنوباً منه ،
وإن رأى من هو أكبر سناً منه حكم له بالخيرية باعتبار أنه أقدم هجره مه في الإسلام
، وإن رأى كافراً لم يقطع له بالنار لا حتمال أنه يسلم فيموت مسلماً.
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( بحسب امرىء من الشر )) . أي يكفيه من الشر (( أن يحقر أخاه ))
يعني أن هذا شر عظيم يكفي فاعله عقوبة هذا الذنب ..
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( كل المسلم إلخ )) قال في حجة الوداع :(( إن دماءكم وأموالكم
وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا )). واستدل الكرابيسي بهذا
الحديث على أن الغيبة الوقوع في عرض المسلمين كبيرة إما لدلالة الاقتران بالدم
والمال إما لتشبيه بقوله :(( كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا )) وقد
توعد الله تعالى بالعذاب الأليم عليه فقال تعالى : {وَمَنْ
يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظْلمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أليمٍ } [الحج:25].
…..
تعليق واحد على “الأربعون النووية - الجزء الثامن”
الاخ العزيز /محمود السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وجزاك الله خيرا عما تكتب وجعله فى ميزان حسناتك وان من احب الاعمال الى الله سرورا تدخله الى قلب مسلم محمود الفقى http://melfky.maktoobblog.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق