الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

المضمون وليس الإســــم

 

المضمون وليس الإسم

كتبهامحمود مرسي ، في 18 يناير 2008 الساعة: 15:03 م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


 

المضمون وليس 

الإســــم

ـــــــ

 

 

عدت إلى المنزل ، بعد جولة يومية شاقة للبحث عن عمل ، وكالمعتاد لم أوفق … وبيدي الجريدة لا تحمل أي أمل في الوظيفة .

ولا أصدق أن هذه المعاناة في الدراسة والبقاء في المعامل هذه الفترات الطويلة والتي كلفت الدولة كثيراً ليست لها ضرورة أوحاجة لبلدنا ؛ فقد أنهيت الدراسة بكلية العلوم قسم الفيزياء منذ عامين ولم تظهر أمامي أي فرصة عمل سوى أن أحمل اسطوانات البوتاجاز على ظهري لتوزيعها أو أعمل مندوب مبيعات لسلع كاسدة راكدة لا يشتريها أحد ، وبالتالي لن أتقاضى عليها نسبة مناسبة .

جلست على مقعد متهالك في ردهة المنزل أثبت إحدى أرجله تحته حتى لا يقع بي . وحال المنزل يرثى له .

تعود والدتي من عملها متهالكة ولا تكاد تلتقط أنفاسها حتى يكون خروجها باليوم التالي ، فلا يأخذ المنزل حظه منها . ووالدي يرجع من عمله وله مقعد هزاز !! يجلس عليه يتأمل ما حوله ، ونادراً ما يصدر عنه صوت .

مرت أمامي أختي سارة تحمل كوباً من الشاي الساخن ، وتأملت وجهها وقد نحل من جانبه الأيمن نصف حاجبها وبدت بعض الحروق بخدها ، حيث أن الموقد ظل يحتاج لصيانة ما يقرب من عام ونصف إلى أن تسرب الغاز واشتعل في وجهها منذ حوالي ستة أشهر . وكان البؤس واضحاً عليها ، فقد كانت في الثامنة عشر من عمرها ، وجاء القدر ليقضي على أحلامها كفتاة ويشوه وجهها . واكتفت بدراستها الثانوية واعتزلت المجتمع خجلاً مما بدى عليه وجهها .

طرق باب المنزل وقمت وفتحته ، فدخل أخي الأكبر مني بثلاث سنوات ـ سمير ـ واضعاً نظارته الشمسية على عينيه ، مرتديا سترة أنيقة ، وعليها كوفية ناعمة صوفية تقيه لسعة البرد. وهو لم يكمل دراسته الثانوية ، وخرج إلى الحياة حيث عرف كيف يتعامل معها . وأصبح له دخل غير ثابت ولكنه واضح أنه مرتفع ، أما ماذا يعمل وأين يعمل وفيما يعمل .. شيء يعلمه الله . وفيما ينفق أيضاً شيء يعلمه الله ، وليس للأسرة حظ من إنفاقه فهو دائما يقول إن العمل غير مضمون ، ولابد أن يكون حريصاً حتى يضمن مستقبل لنفسه .

عادت أمي من العمل ، تحمل حقيبة تحتوي على بعض الطعام من البقالة .. أرز .. سكر .. جبنة …… وما شابه .. فقلت لها معاتباً ’’هل أحضرتها من بقالة ـ سلطان ـ كالعادة ؟‘‘ . قالت ’’ ومن أين آتي بالنقود ؟ .. فهو يعطينا بالأجل ‘‘ . قلت ’’يا أمي هذا الرجل لا يريحني فنظراته وكلامه مع الإناث تحت مستوى الشبهات وهو غير محترم ‘‘

ونظرتُ لأبي الجالس على مقعده الهزاز ، ولكنه لم ينبس ببنت شـفاه ولم ينظر نحونا بالمرة .

فقالت أمي ’’ مضطرة يا ولدي حتى نوفر حاجتنا من الطعام ‘‘

وجاء من المطبخ أخي الصغير ـ سليم ـ يحمل قطعة من الجبن على طفاية سجائر نظيفة مغسولة لكنه استعملها بدلاً من طبق الطعام وذلك لعدم توفر هذه الأطباق فقد انقرض أغلبها وتكسر والباقي لا يكفي الحاجة ومعظمه متسخ في حوض الغسيل بالمطبخ ينتظر من يغسله .

وهنا .. صاح والدي .. بعد طول سكوت ’’ ما هذا ؟ .. طفايات السجائر لا تستعمل إلا للسـجائر فقط . وكل طفاية لابد أن تتوسـط المائدة التي توضـع عليها . وإياك أن يحدث غير هذا ‘‘ .

واندهشت لِمَا دفعه للكلام .. !!

ووضعت عيني في الجريدة التي كانت بيدي فقرات الخبر الذي كان أمامي ..

’’تفعيل قرار رئيس مجلس الوزراء‏,‏ الذي ينص علي اعتبار الجزر الواقعة داخل مجري نهر النيل شـمال ووسـط وجنوب الوادي وقناطر الدلتا‏,‏ محميـات طبيعيـة يحظر إقامـة المباني بها أو المنشـآت أو توسـعة الطرق أو ممارسـة أي أنشـطة زراعية أو صناعية أو تجارية أو سـياحية بها ‘‘ . ‏.‏

…..

بقلم محمود مرسي

…..

 


 

41 تعليق على “المضمون وليس الإسم

  1. محمد رمضان قال:
    يناير 18th, 2008 at 18 يناير 2008 6:04 م

الأستاذ محمود مرسي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا جزيلا على مرورك الدائم والمتواصل معي

ومعا نسير على الدرب

وربنا يكتب هذه الأعمال في موازين حسناتنا

آمين يارب العالمين

  1. أحمدخفاجي قال:
    يناير 18th, 2008 at 18 يناير 2008 8:37 م

أستاذنا الفاضل الأستاذ محمود مرسي

إنها سنوات الهزيمه وزمن التراجع إقتحم علينا بيوتنا فأحبط شبابنا وميع الرجوله عن رجالنا وجعل نساءنا يتساهلون في حقوقهم بعض الشئ

وحتي تعود لنا كينوننتنا علي شبابنا أن ينفضو عنهم إحباطاتهم

عبرت عن وجه من وجوه الرده في مجتمعنا بجزالة وتميز

تحياتي لشخصكم الكريم

  1. طارق موافي قال:
    يناير 18th, 2008 at 18 يناير 2008 8:49 م

أستاذي الغالي محمود

تحية طيبة من الأعماق

بوركت وبورك قلمك

فلسطين في القلب ولن تتحرر إلا باتحاد أهلها والعرب لا الأجانب

دعواتك معي لهم بالاتحاد لكي ينصرهم الله تعالي

دمت بخير

تحياتي

طارق موافي

  1. أحمد سعيد قال:
    يناير 19th, 2008 at 19 يناير 2008 6:12 م

قصة..تحكى عن الآمنا الكثيرة

مكثفة

ابى الحبيب..تكتب بكل انسابية

تسقى لنا الألم بإرادتنا

مشاكل كثيرة نراها

رغم ان المواضيع كثيرة

إلا أنك كبت بأهم خاصية للقصة القصيرة وهى التوحد

فكل هذه الأشياء تتوحد أسبابها

وما يحدث بالقرصايبة

لهو أستكمال لمسلسل الحكومة الهزيل

لكن ابى مهما طال الظلااام

فلابد ان تأتى الشمس

لتقضى عليه

لتمنح الدفئ لمن يحتاجة

لتنير الكون

أتمنالك دوام التوفيق

أبنك دائماً..نيجــر

  1. خديجه عبدالله قال:
    يناير 20th, 2008 at 20 يناير 2008 6:41 ص

ماشاء الله تعبير راقى جدا عما نحن فيه ..
بورك قلمك واحساسك النابض أستاذى الفاضل وجزاك الله خيرا
وجعل كتاباتك حجة لك لا عليك وفى ميزان حسناتك

القصة عبارة عن مزيج من السلبيات التى باتت فى مجتمعاتنا البطالة وذلك لمن لديه مبدأ عدم امتهان مالايرضى الله ..والتساهل من أجل رغيف العيش والعزلة عن المجتمع بسبب الاحساس بعدم القبول به (بالنسبة للفتاة)وقصور فى التعامل مع سن المراهقة ..والتبسط المنهى عنه بين الجنسين من أجل مصالح مادية طغت على المبادىء سببها قلة يقين ووعى ..والغضب لغير الله كما فى موقف الأب ..وأخيرا هذا النزيف الذى لم يتوقف بعد وهو جرح الأمة والنظام الذى يعاملنا وكأننا أقل من ..

اللهم بدل حالنا للحال الذى يرضيك عنا يا الله ..وأعز الإسلام والمسلمين
ودمت سيدى الفاضل مع الحق وبكل خير

  1. حادي العيس قال:
    يناير 20th, 2008 at 20 يناير 2008 11:46 ص

مضطرة يا ولدى حتى نوفر حاجتنا من الطعام ………….؟؟ وما أكثر سواد الامة المضطرة في هذه الايام ,,,,,, وما اكثر الذ ئاب المترصدة للغلابا للايقاع بهم

في حبائل الشيطان ….. وكم خريج لا يجد عملا ؟؟؟؟ والله يعز الحكومة ؟؟؟

استاذمحمود ,,اهنئك بحرارة

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 12:32 م

عزيزي الأستاذ محمد رمضان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فعلا نسير على نفس الدرب علنا نفيد أو ننقل معلومة أو فكرة لأحد ونطمع في الثواب

كما أنه يهمني أن أستفيد من رأيك

بارك الله فيك

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 12:35 م

الأستاذ أحمد خفاجة

تحياتي وامتناني على مرورك الكريم

وفعلا الأسرة هي رمز لما صار عليه حال مجتمعنا

أشكرك لتعليقك المتفهم

تقديري واعتزازي

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 12:40 م

الأستاذ الغالي طارق موافي

شكرا لتعدد مرورك الذي يثري مدونتى

وفعلا مهما عبرنا عن آلامنا وعبراتنا فإننا لا ننسى إخواننا في فلسطين

اللهم فرج الأزمة الطاحنة في غزة وانصر المجاهدين في فلسطين

اللهم انصر المسلمين في كل بقاع الأرض

تحياتي لك

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 12:49 م

الأستاذ الغالي أحمد سعيد ” نيجر

أشكرك لتحليلك الموضوعي للقصة

وهي رمز لحال المجتمع

وهناك مطابقة بين صرخة الأب وقرار رئيس مجلي الوزراء

تحياتي الحارة

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 1:21 م

الأستاذة / خديجة

اللهم بدل حالنا للحال الذى يرضيك عنا يا الله ..وأعز الإسلام والمسلمين

آمين …. آمين يارب العالمين

شكراً لمرورك وتعليقك المتفهم الواعي

وقد عبرتي عما قاله الأب أو مجلس الوزراء في إدراجك الرائع الذي قرأته في التو

امتناني لك

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 1:46 م

شكرا حادى العيس لمرورك الكريم

وممتن لتعليقك وتحليلك

اللهم انهها على خير

تحياتي القلبية

  1. محمد رمضان قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 7:59 م

الفاضل العزيز المحترم الأستاذ محمود مرسي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

السعادة تغمرني كلما وجدتك عندي

وتعليقاتك تحفزني للمزيد

شكرا من كل قلبي

وأقول لك إن شمس الغد ستشرق مهما كان الظلاميون كثيرا

  1. حسن جميل الحريس قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 9:34 م

أستاذي الغالي محمود مرسي

السلام عليكم

نثمن مساعيكم الخيرة ومواقفكم الحسنة لنصرة كلمة الله الخالدة أبدا

شاكرين ومقدرين

تحياتي ومودتي

  1. طارق موافي قال:
    يناير 21st, 2008 at 21 يناير 2008 10:41 م

أستاذي الغالي محمود مرسي

تحية طيبة

جزاك الله خيرا

وأشكرك علي زيارتك وتعليقك فإن ذلك يسعدني كثيرا

وأرجو أن تتفضل بقراءة مدونتي الأخيرة

تحياتي

طارق موافي

  1. عبد الله عبدالله قال:
    يناير 23rd, 2008 at 23 يناير 2008 12:58 م

أستاذ محمود

هذه هي الحقيقة..قد عشنا في زمن الإنحطاط… من كل وجه

..
لكن نحن نريد و الله يفعل ما يريد.. أمر مخجل أن نكون نحن

من يسطر هذا البؤس ليحمله أحفادنا ..بعد أن حملنا الإرث

الراقي الذي صنعه الأجداد ..ثم أضعناه بكل سهولة

لك الإحترام و التقدير

  1. وائل المصري قال:
    يناير 23rd, 2008 at 23 يناير 2008 6:45 م

السلام عليكم
استاذ محمود لقد اعجبتني تلك القصة فانها تحكي حال معظم الاسر الان
من بطالة وخلافة كما ذكرت في تلك القصة

ولك مني تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 5:41 م

الأستاذ محمد رمضان

يسعدني دائما لقاءنا سواء أكان بمدونتك أم بمدونتي

أهلا بك دائما

تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 5:46 م

الأستاذ طارق موافي

أهلا بك دائما

وسأتوجه فعلا لقراءة إدراجك الجديد

وأعتذر لتأخري حتى الآن

تقديري لك

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 5:53 م

الأستاذ عبد الله عبد الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

زيارتك تسعدني وآراءك وتعليقاتك أعتز بها

شكرا لتعليقك وفعلا كان إرثا راقيا ذلك الذي بددناه

ونترك كل مشاكلنا وهمومنا لنفكر في المحميات الطبيعية

هي مهمة ولكن يوجد ما هو أهم وأشد إلحاحا منها لنصدر القرارات بشأنه

تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 6:00 م

الأستاذ وائل المصري

حال الأسر معروف والمشاكل المحيطة بها أصبحت محفوظة

ولكن الأهم من كل هذا هو تقدير المسئولين لهذه المشاكل ومحاولة حلها بجدية

ولا نصمت عنها ثم يكون ما يشغلنا المحميات الطبيعية

هي هامة ولكن ليس الزمان ولا الأوان أوان التفكير بها لأن هناك الأهم

تقديري لك

  1. محمود السيد قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 7:30 م

غزة>>> العزة والصمود

=========

هدية خاصة لحضرتك على مدونتى

خلفية desktop

عن غزة

ارجوا تنال أعجابكم

==========

مدونتى

http://fenelwattan.maktoobblog.com/

  1. صفاء سويدان قال:
    يناير 25th, 2008 at 25 يناير 2008 9:17 م

أستاذنا الفاضل

لقد نقلت لنا صورة متكررة لمجتمعنا المصرى

فالغلاء وقلة فرص العمل سببا فى كوارث كثيرة

فالطالب يقضى سنوات عمره فى التعليم

مع عناء الوالدين لتوفير إحتياجاته وفى النهاية

يتخرج ليسبب عناء آخر للأسرة

لك تحياتى

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 26th, 2008 at 26 يناير 2008 2:54 م

الأستاذ محمود السيد

سأتوجه فورا لمدونتك

تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 26th, 2008 at 26 يناير 2008 2:57 م

الأستاذة الفاضلة صفاء سويدان

فعلا هذه هي الصورة المتكررة

وليس القصد هذه الصورة

ولكن القصد ربطها بقرار الحكومة الذي أهمل تفاصيل هذه المعاناة وتوجه لشيء آخر

شكرا لمرورك وتعليقك

تحياتي وتقديري

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق