الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

الأربعون النووية - الجزء الأخير

 

الأربعون النووية - الجزء الأخير

كتبهامحمود مرسي ، في 27 ديسمبر 2007 الساعة: 08:46 ص

الأربعــون النووية

الجزء التاسع والأخير

…..

الحديث السادس والثلاثون - من نفّس عن مؤمن كربةً…
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: من نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه. (رواه مسلم بهذا اللفظ)

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة )) فيه دليل على استحباب خلاص الأسير من أيدي الكفار بماله يعطيه ،و على تخليص المسلم من أيدي الظلمة وخلاصه من السجن .يقال : إن يوسف عليه السلام لما خرج من السجن كتب على بابه :(( هذا قبر الأحياء ، وشماتة الأعداء ، وتجربة الأصدقاء )). ويدخل في هذا الباب الضمان عن المعسر ، والكفالة ببدنه ، لمن هو قادر عليه ، أما العاجز فلا ينبغي له ذلك ،وقال بعض أصحاب القفال : إن في التوراة مكتوباً :(( الكفالة مذمومة )) أولها ندامة وأوسطها ملامة، وآخرها غرامة )). فإن قيل :قال الله تعالى :{مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}[الأنعام:160]. وهذا الحديث يدل على أن الحسنة بمثلها لأنها قوبلت بتنفيس كربة واحدة ،و لم تقابل بعشر كرب من يوم القيامة.

فجوابه من وجهين : أحدهما أن هذا من باب مفهوم العدد ، والحكم المعلق بعدد لا يدل على نفي الزيادة والنقصان .

والثاني : أن كل كربة من كرب يوم القيامة تشتمل على أهوال كثيرة وأحوال صعبة ومخاوف جمة ، وتلك الأهوال تزيد علىالعشرة وأضعافها . وفي الحديث سر آخر مكتوم يظهر بطريق اللازم للملزوم ،وذلك أن فيه وعداً بإخبار الصادق: أن من نفس الكربة عن المسلم يختم له بخير ، ويموت على الإسلام ، لأن الكفار لا يرحم في دار الآخرة ولا ينفس عنه من كربه شيء ، ففي الحديث إشارة إلى بشارة تضمنتها العبارة الواردة عن صاحب الإمارة ، فبهذا الوعد العظيم فليثق الواثقون {لآلِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ}[الصافات:61].فأفضل العمل تنفيس الكرب.

وفي الحديث دليل على استحباب ستر المسلم إذا اطلع عليه أنه عمل فاحشة قال الله تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ}[النور:19]. والمستحب للإنسان إذا اقترف ذنباً أن يستر علىنفسه ، وأما شهود الزنا ، فاختلف فيهم على وجهين ، احدهما : يستحب لهم الستر، والثاني : الشهادة.

وفصل بعضهم فقال : إن رأوا مصلحة في الشهادة شهدوا ، أو في الستر ستروا.

وفي الحديث دليل على استحباب المشي في طلب العلم ،ويروى أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى داود عليه الصلاة والسلام :أن خذ عصا من حديد ونعلين من حديد وامش في طلب العلم حتى يتخرق النعلان وتتكسر العصا.

وفيه دليل على خدمةالعلماء وملازمتهم والسفر معهم واكتساب العلم منهم ،قال الله تعالى حاكياً عن موسى عليه الصلاة والسلام:{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف:66].

وعلم أن هذا الحديث له شرائط، منها العمل بما يعلمه ، وقال أنس رضي الله عنه : العلماء همتهم الرعاية ، والسفهاء همتهم الرواية.

ومن شرائطه نشره قال الله تعالى :{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[التوبة:122]. وروى أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه :((ألا أخبركم عن أجود الأجواد)) قالوا بلى يا رسول الله ، قال :(( الله أجود الأجواد، وأنا أجود ولد آدم ، وأجودهم بعدي رجل علم علماً فنشره يبعث يوم القيامة أمةوحده ،ورجل بنفسه في سبيل الله حتى قتل)).

ومن شرائطه ترك المباهاة والممارة . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :(( من طلب العلم لأربعة دخل النار : ليباهي به العلماء ، أو يماري به السفهاء ، أو يأخذ به الأموال ، أو يصرف به وجوه الناس إليه )).

ومن شرائطه الاحتساب في نشره وترك البخل به ، قال الله تعالى :{قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الأنعام:90].

ومن شرائطه ترك الأنفة من قول لا أدري ، قال صلى الله عليه وسلم في علو مرتبته لما سئل عن الساعة:(( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل )) . وسئل عن الروح فقال :(( لا أدري )).

ومن شرائطه التواضع قال الله تعالى :{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًاً} [الفرقان 63].

…..

قال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:(( يا أبا ذر احفظ وصية نبيك عسى أن ينفعك الله بها ، تواضع لله عز وجل عسى أن يرفعك القيامة ، وسلم على من لقيت من أمتي برَّها وفاجرها ، والبس الخشن من الثياب ، ولاتُرِدْ بذلك إلا وجه الله تعالى ، لعل الكبر والحمية لا يجدان في قبلك مساغاً )).

ومن شرائطه احتمال الأذى في بذل النصيحة والاقتداء بالسلف الصالح في ذلك قال الله تعالى :{وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[لقمان:17] . وقال صلى الله عليه وسلم :((ما أوذي نبِّي مثل ما أوذيت )).

ومن شرائطه أن يقصد بعلمه من كان أحوج إلى التعليم ، كما يقصد بالصدقة بالمال الأحوج فالأحوج ، فمن أحيا جاهلاُ بتعليم العلم فكأنما أحيا الناس جمعياً ، ومما قيل في تنبيه الغافل ورده إلى الطاعة .

قوله صلى الله عليه وسلم :(( إلا نزلت عليه السكينة )) هي فعيلة من السكون ، أي الطمأنينة من الله ، قال الله تعالى :{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:28]. وكفى بذكر الله شرفاً ذكر الله العبد في الملأ الأعلى .

قوله صلى الله عليه وسلم :(( ومن بطأ به عمله )) أي وإنكان نسيباً (( لم يسرع به نسبه )) إلى الجنة فيقدم العامل بالطاعة ولو كان عبداً حبشياً على غير العامل ولو كان شريفاً قرشياً ، قال الله تعالى :{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:13].

…..


…..

الحديث السابع والثلاثون - إن الله كتب الحسنات والسيئات …
عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنةً كاملةً، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئةً واحدةً. (رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف)

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة )) روى البزار في مسنده أنه صلى الله عليه وسلم قال :(الأعمال سبعة : عملان موجبان ،وعملان واحد بواحد، وعمل الحسنة فيه بعشرة ، وعمل الحسنة فيه بسبعمائة ضعف ، وعمل لا يحصي ثوابه إلا الله تعالى . فأما العملان الموجبان فالكفر والإيمان ، فالإيمان يوجب الجنة والكفر يوجب النار ، وأما العملان اللذان هما واحد بواحد ، فمن هم بحسنة ولم يعملها كتبها الله له حسنة ، ومن عمل سيئة كتب الله عليه سيئة واحدة ، وأما العمل الذي بسبعمائة ضعف فهو الجهاد في سبيل الله تعالى :{كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ}[البقرة:26]. ثم ذكر الله سبحانه وتعالى أنه يضاعف لمن يشاء زيادة على ذلك ، وقال الله تعالى :{وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40].فدلت الآية والحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم :((إلى أضعاف كثيرة )) إن العشر والسبعمائة كلمة ليست للتحديد وأنه يضاعف لمن يشاء ويعطي من لدنه ما لا يعد ولا يحصى فسبحان من لا تحصى آلاؤه ولا تعد نعماؤه فله الشكر والنعمة والفضل .

وأما السابع فهو الصوم ،((يقول الله تعالى :كُلُّ عَمَلِ ابْن آدم له إلا الصومُ فإنَّهُ لي وأنا أجزي به )). فلا يعلم ثواب الصوم إلا الله.

…..


…..

الحديث الثامن والثلاثون - من عادى لي ولياً فقد آذنته في الحرب…
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته في الحرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينّه، ولئن استعاذني لأعيذنّه. (رواه البخاري)

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى :((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )) المراد هنا بالولي :المؤمن قال الله تعالى:{اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ}[البقرة:257].فمن آذى مؤمناً فقد آذنه الله ، أي أعلمه الله أنه محارب له ، والله تعالى إذا حارب العبد أهلكه ، فليحذر الإنسان من التعرض لكل مسلم قوله تعالى :(( وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليًّ مما افترضته عليه )) فيه دليل على أن فعل الفريضة من أفضل النوافل، وجاء في الحديث:((إن ثواب الفريضة يفضل على ثواب النافلة بسبعين مرة )).

قوله تعالى:(( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه )) ضرب العلماء رضي الله تعالى عنهم لذلك مثلاً فقالوا: مثل الذي يأتي بالنوافل مع الفرائض ، ومثل غيره كمثل رجل أعطى لأحد عبديه درهماً ليشتري به فاكهة، وأعطى آخر درهماً ليشتري فاكهة ، فذهب أحد العبدين فاشترى فاكهة فوضعها في قوصرة ، وطرح عليها ريحاناً ومشموماً من عنده ، ثم جاء فوضعها بين يدي السيد ، وذهب الآخر واشترى الفاكهة في حجره ثم جاء فوضعها بين يدي السيد على الأرض ، فكل واحد من العبدين قد امتثل ، لكن أحدهما زاد من عنده القوصرة والمشموم فيصير أحب إلى السيد. فمن صلى النوافل مع الفرائض يصير أحب إلى الله ، والمحبة من الله إرادة الخير ، فإذا أحب عبده شغله بذكره وطاعته وحفظه من الشيطان ، واستعمل أعضاءه في الطاعة ، وحبب إليه سماع القرآن والذكر وكرَّه إليه سماع الغناء وآلات اللهو وصار من الذين قال الله تعالى :{وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}[الفرقان:63].فإذا سمعوا منهم كلاماً فاحشاً أضربوا عنه وقالوا قولاً يسلمون فيه ، وحفظ بصره عن المحارم فلا ينظر إلى ما لا يحل له ، وصار نظره فكر واعتبار ، فلا يرى شيئاً من المصنوعات إلا استدل به على خالقه . وقال على رضي الله عنه : ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله تعالى قبله . ومعنى الاعتبار العبور الفكر في المخلوقات إلى قدرة الخالق ، فيسبح عند ذلك ويقدس ويعظم وتصير حركاته باليدين والرجلين كلها لله تعالى ولا يمشي فيما لا يعنيه ولا يفعل بيده شيئاً عبثاً بل تكون حركاته وسكناته لله تعالى ، فيثاب على ذلك في حركاته وسكناته وفي وفي سائر أفعاله .

قوله تعالى :((كنت سمعه ))يحتمل كنت الحافظ لسمعه ولبصره ولبطش يده ورجله من الشيطان ،ويحتمل كنت في قلبه عند سمعه وبصره وبطشه. فإذا ذكرني كفَّ عن العمل لغيري.

…..


…..

الحديث التاسع والثلاثون - إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان..
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه. (حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما)

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :((إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ))أي تجاوز عنهم إثم الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ، وأما حكم الخطأ والنسيان والمكره عليه فغير مرفوع ، فلو أتلف شيئاً خطأ أو ضاعت منه الوديعة نسياناً ضمن ، ويستثنى من الإكراه علىالزنا والقتل فلا يباحان بالإكراه ، ويستثنى من النسيان ما تعاطى الإنسان سببه فإنه يأثم بفعله لتقصيره.

…..


…..

الحديث الأربعون - كن في الدنيا كأنك غريب ..
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمنكبي فقال: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. (رواه البخاري)

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل )) أي لا تركن إليها ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها إلا بما يتعلق الغريب به في غير وطنه الذي يريد الذهاب منه إل أهله ، وهذا معنى قول سلمان الفارسي رضي الله عنه: أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن لا أتخذ من الدنيا إلا كمتاع الراكب .

وفي الحديث دليل على قصر الأمل وتقديم التوبة والاستعداد للموت فإن أمل فليقل إن شاء الله تعالى ، قال الله تعالى :{وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا () إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ } [الكهف:23-24].

قوله :((وخذ من صحتك )) أمره صلى الله عليه وسلم أن يغتنم أوقات الصحة بالعمل الصالح فيها ، فإنه يعجز عن الصيام والقيام ونحوها لعلة تحصل من المرض والكبر.

وقوله صلى الله عليه وسلم :(( ومن حياتك لموتك ))، أمره صلى الله عليه وسلم بتقديم الزاد. وهذا كقوله تعالى: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍٍ}[الحشر:18]. لا يفرط فيها حتى يدركه الموت فيقول :{رَبِّ ارْجِعُونِ () لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99-100].وقال الغزالي رحمه الله تعالى :ابن آدم بدنه معه كالشبكة يكتسب بها الأعمال الصالحة ،فإذا اكتسب خيراً ثم مات كفاه ولم يحتج بعد ذلك إلى الشبكة ، وهو البدن الذي فارقه بالموت ، ولا شك أن الإنسان إذا مات انقطعت شهوته من الدنيا واشتهت نفسه العمل الصالح لأنه زاد القبر ، فإن كان معه استغنى به وإن لم يكن معه طلب الرجوع منها إلى الدنيا ليأخذ منها الزاد ، وذلك بعد ما أخذت منه الشبكة فيقال له :هيهات قد فات! فيبقى متحيراً دائماً نادماً على تفريطه في أخذ الزاد قبل انتزاع الشبكة .

فلهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ))وخذ من حياتك لموتك. )) لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

…..


…..

الحديث الحادي والأربعون - لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه …
عن أبي محمد عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به. (حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح).

شرح وفوائد الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) يعني أن الشخص يجب عليه أن يعرض عمله على الكتاب والسنةويخالف هواه ويتبع ما جاء به صلى الله عليه وسلم ، وهذا نظير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36]. فليس لأحد مع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم أمر ولا هوى.

وعن إبراهيم بن محمد الكوفي قال : رأيت الشافعي بمكة يفتي الناس ، ورأيت إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل حاضرين ، فقال أحمد لإسحاق : تعال حتى أريك رجلاً لم تر عيناك مثله . فقال له إسحاق: لم تر عيناي مثله؟! قل نعم ؛ فجاء به فوقفه على الشافعي فذكر القصة إلى أن قال : ثم تقدم إسحاق إلى مجلس الشافعي فسأله عن كراء بيوت مكة ،فقال الشافعي: هذا عندنا جائز . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهل ترك لنا عقيل من دار ))؟ فقال إسحاق:أخبرنا يزيد ابن هارون عن هشام عن الحسن أنه لم يكن يرى ذلك ، وعطاء وطاووس لم يكونا يريان ذلك، فقال له الشافعي: أنت الذي تزعم أهل خرسان أنك فقيههم؟ قال إسحاق: كذا يزعمون! قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمراً بفرك أذنيه، أنا أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنت تقول : قال عطاء وطاووس والحسن وإبراهيم، هؤلاء لا يرون ذلك؟ وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة ؟ ثم قال الشافعي: قال الله تعالى :{لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ} [الحشر:8]. أفتنسب الديار إلى مالكين أو غير مالكين؟ قال إسحاق: إلى مالكين. قال الشافعي: فقول الله تعالى أصدق الأقاويل . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن )). وقد اشترى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه دار الحجلتين . وذكر الشافعي جماعات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له إسحاق:{سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ}[الحج:25].فقال له الشافعي: فالمراد به المسجد خاصة ، وهو الذي حول الكعبة ولو كان كما تزعم لكان لا يجوز لأحد أن ينشد في دور مكة ضالة، ولا تحبس فيها البدن ، ولا تلقى الأرواث ، ولكن هذا في المسجد خاصة ، فسكت إسحاق ولم يتكلم فسكت الشافعي عنه.

…..


…..

الحديث الثاني والأربعون - .. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ..
عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة. (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح).

شرح وفوائد الحديث
قوله تعالى :((عنان السماء ))، هو بفتح العين المهملة قيل هوالسحاب وقيل : ما عن لك منها، أي ظهر إذا رفعت رأسك.

قوله تعالى:(( ثم استغفرتني غفرت لك ))، هو نظير قوله تعالى:{وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا}[النساء:110]. الاستغفار لا بد أن يكون مقروناً بالتوبة. قال الله تعالى :{وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ}[هود:3].وقال تعالى:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:31].

واعلم أن الاستغفار معناه طلب المغفرة وهو استغفار المذنبين ، وقد يكون عن تقصير في أداء الشكر؛ وهو استغفار الأولياء والصالحين ، وقد يكون لا عن واحد منهما بل يكون شكراً وهو استغفاره صلى الله عليه وسلم واستغفار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قال صلى الله عليه وسلم :(( سيد الاستغفار : الله أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استعطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك على وأوبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت )). وقال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه :(( قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً. وفي رواية ـ كبيراً ـ ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم )).

…..

انتهى

…..


17 تعليق على “الأربعون النووية - الجزء الأخير

    زهرة النسرينقال:

  1. ديسمبر 27th, 2007 at 27 ديسمبر 2007 11:20 ص

أبي الغالي ..

بارك الله فيك وجزاك خيرا ونفعنا بما تكتب ….

اللهم فرج على أخواننا المسلمين في كل مكان

كل شكري وتحياتي ..

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 27th, 2007 at 27 ديسمبر 2007 1:05 م

إبنتي العزيزة زهرة النسرين

آمين .. آمين

بارك الله فيك وجزاك خيرا على زيارتك التي فعلا أسعدتني كثيرا

دمت ودام قلمك وفكرك

  1. محمد رمضان قال:
    ديسمبر 27th, 2007 at 27 ديسمبر 2007 6:50 م

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي الدكتور الفاضل محمود مرسي لقد سعدت كثيرا لمرورك الكريم بمدونتي المتواضعة جدا أمامكم وكانت فرصة عظيمة لي أن أكتشف نفسي من جديد عندما مررت بمدونتكم الرائعة الغنية بكل مايهم المسلم في دينه ودنياه ولولا مروركم الكريم لكنت الخاسر الكبير

تحياتي وتمنياتي لك بدوام الصحة والعافية وأرجو منكم الأخذ بيدي فأنا حديث العهد بالمدونات ولا أعرف أسرارها فمنكم وبكم نستفيد ونفيد

أدامكم الله للأمة وجعل عملكم في صالح موازين حسناتكم

وشكرا جزيلا على مروركم بنا ولو أنه تأخر كثيرا

أتمنى لك دوام التوفيق

أخوكم محمد رمضان

  1. السنونو قال:
    ديسمبر 27th, 2007 at 27 ديسمبر 2007 10:32 م

جزاكم الله خيرا علي نشر سنة النبي الكريم ويلبيتنا نخرج من مجرد حفظ المتون الي الحياة بها فالاسلام حياة

  1. محمد ملوك قال:
    ديسمبر 28th, 2007 at 28 ديسمبر 2007 5:52 م

شكر الله سعيك ووفقك لما تحبه ويرضاه وشكرا لك

  1. بشرى شاكر قال:
    ديسمبر 28th, 2007 at 28 ديسمبر 2007 7:08 م

بارك الله لك في قلمك دكتور و زادك من علمه ما ينفع بك الناس و ما يهديهم للطريق الاقوم

دمت بخير استاذ

  1. صفاء سويدان قال:
    ديسمبر 28th, 2007 at 28 ديسمبر 2007 11:49 م

أستاذى الجليل

جزاك الله خيرا على تذكيرك لنا بأحاديث رسولنا الكريم وأعاننا الله على نصرة الحق دائما

وفقك الله وجعل عملك فى ميزان الحسنات ان شاء الله تعالى

  1. محمد حماد قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 6:24 ص

عام مر وآخر يجيء

أعرف أنه عام ككل عام، مضى بمره الذي هو كثير،

وبحلوه الذي هو قليل،

إلا أنني أكاد ألمح في سجل وقائعه

تباشير عام يأتي ليحدث فيه ما لا يتوقعه أحد..!!

هل أنا متفائل أكثر من اللازم؟

ربما..

عموما كل سنة وأنتم طيبين

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:04 ص

أخي الأستاذ محمد رمضان

شرفني كثيرا مرورك الكريم بمدونتي

وواضح أنك رجل متواضع جدا وهي من سمات الكرام

فإن مدونتك حقا رائعة وذاخرة بالموضوعات المفيدة التي تنفعنا كثيرا

وفقك الله لما فيه الفائدة للأمة الإسلامية والأمة العربية وسائر المجتمعات

وأهلا بك صديق

وكل عام وأنتم بخير

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:08 ص

أخي السنونو

سعدت بمرورك العزيز

وفعلا الإسلام حياة وعمل وأيضا علينا أن نتذكر حتى لا تطوينا الحياة

تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:13 ص

أخي محمد ملوك

شرفتني زيارتك أدام الله عليك الصحة والعافية

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:25 ص

أشكرك أستاذة بشرى

زيارتك أسعدتني وفقك الله لما فيه الخير

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:48 ص

الأخت الفاضلة صفاء

أهلا بك في مدونتي وشرفت بهذه الزيارة

تحياتي

  1. محمود مرسي قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 8:51 ص

الأستاذ محمد حماد

إن تفاؤلك في محله

فإن الله موجود ومطلع

وكل عام وأنت بخير

  1. nora fathi قال:
    ديسمبر 29th, 2007 at 29 ديسمبر 2007 6:18 م

بوح جميل معطر يهمس برقة في حنو قلب منتشٍ بنور كلمات معطرة بالياسمين والفلة

فواحة بالفرحة للقيا الحبيب العطش لألم السنين * * * وردة أصبحت ذابلة من طعن خناجر الزمن الغادر من خداع الأحبة من كذب الأئمة من جراح الزمن المبكية من رياح الأشواق العاتية من شجوني الماطرة من أيامي الحزينة من أحاسيس ذائبة في قلب حبيبي الذي يحتضن كل هذه العذابات الطافية في صفحات عمري .

لك كل الحب والاحترام والتقدير

نورا شاعرة

  1. محمود الفقى قال:
    يناير 1st, 2008 at 1 يناير 2008 1:51 م

الاخ الفاضل الاستاذ محمود . السلام عليكم ورحمه الله وبركا ته . لقد سعدت جدا وان اتصفح مدونتك الجميله ووجدت مدونتى ضمن مدوناتك المفضله وان هذا شرف عظيم ودائما نلتقى على الحب فالله وان من احب الاعمال الى الله سرورا تدخله الى قلب اخيك المسلم وان من احب الاعمال الى الله ادومها وان قل فنسأ ل الله عز وجل ان يعيننا على فعل الخير وان ندخل السرور على قلوب المسلمين والدفاع عن المظلومين بالكلمه الطيبه والموعظه الحسنه . محمود الفقى http://melfky.maktoobblog.com

  1. محمود مرسي قال:
    يناير 1st, 2008 at 1 يناير 2008 5:58 م

أخي الأستاذ محمود

لي كل الشرف بمرورك الكريم بمدونتي ولي الشرف أيضا أن أضع مدونتك ضمن مدوناتي المفضلة فهي فعلا تستحق هذا التفضيل لما فيها من جدية وإفادة

وأتمنى دوام التواصل وتبادل الزيارات حتى نتعاون ونقدم على تقديم كل ما يفيد وكل ما نستفيد منه في ديننا ودنيانا

والله ولي التوفيق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق