الاثنين، 28 أكتوبر 2024

غذاء الوجدان

كتبهامحمود مرسي ، في 27 يوليو 2009 الساعة: 12:08 م

غذاء الوجدان

…..

كم هو جميل أن تلتقي بأبنائك بعد غياب عدة أشهر قد تصل لعامين !

كم هو جميل أن تكسر المسافات بينك وبينهم وتضمهم إلى صدرك

كم هو رائع أن تجلس وسط أحفادك تداعبهم ويداعبونك كل حسب سنه

منهم من هو في الثالثة من عمره يجلس على رجلي ويهمس في أذني قليلاً ثم يصرخ ليفزعني .. فأضمه وأدغدغ بطنه بذقني لأغرقه في موجة من الضحك

ومنهم من هو في الخامسة ويشكو من أن أمه تعامله كما لو كان صغيراً في حين أنه يرى كم هو أصبح كبيراً وناضجاً !

ومنهم من هي في الرابعة وتستعرض بما تعلمته في مدرستها من مفردات وأناشيد ، ثم تنهال علي بالأسئلة الساذجة البسيطة التي تحيرنا أحياناً مثل ..
لماذا هذه البقعة الخشنة الداكنة في جبهتك ولا توجد مثلها في جبهتي ؟
لماذا تقوم بحلاقة ذقنك في حين أبي ذقنه طويل ؟
والكثير من الملاحظات الدقيقة التي تتبعها الأسئلة البريئة ، وعلي الحذر الشديد في الردود حتى لا أفقد مصداقيتي عندها أو أدخلها في مهاترات من أي نوع

ومنهم من هو في الثانية من عمره ولكنه لا يحب الثرثرة وإن كان يناديني “عمو” فأقول له أنا “جدو” وتتكرر وتتكرر ويحب الحرية جداً ويأبى أي فرد يمسك يده أثناء السير وإن كان ينصاع لتوجيهه اللفظي . ولا يترك لأحد إحدى ممتلكاته من اللعب مطلقاً إلا برغبته هو .

ومنهم الأصغر والرضيعة وكلهم يثلجون صدري حين جلوسي بينهم أو بين بعضهم هم وأبنائي وزوجاتهم وهذا جانب من غذاء الوجدان .

ويالها من جولة لاستعادة ذكريات مر عليها ثلاثون عاماً ؛ أجريناها أثناء مكوثنا في مدينة جدة عند أحد أبنائي حيث خرجنا وأسرته في سيارته لننقب عن بعض تفاصيل حياتنا حينما كنا نقطن في هذه المدينة الساحرة .

فلنبحث عن السكن الذي كنا به بحي البغدادية وهو بعمارة خصصت لسكن العاملات بكلية التربية للبنات حيث كانت تعمل زوجتي ، ولما هدانا الله إليه بعد بحث أشرت لابني إلى الشقة التي كنا بها وأنه كان طفلا يحبو بها وقتها .

وواصلنا البحث عن عمارة الملكة والأسواق المحيطة بها والتي كنا نقضي فيها أوقاتاً كثيرة حتى اهتدينا لها وكانت إضافة لمعلومات ابني الجغرافية عن المدينة التي أصبحت مترامية الأطراف التي يقطن بها .

وكان هذا جانب آخر من غذاء الوجدان .

ورغم أن الأولاد كانوا يتجاذبونني أنا وأمهم (زوجتي) للبقاء أيام أكثر عند هذا الإبن أو ذاك برغبة وترحاب لم أجد له مثيل إلا أني كنت أفر منهم لأداء الجانب الأهم من الغذاء الوجداني ألا وهو أداء العمرة والزيارة للحرم النبوي الشريف والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولكنهم لا يتركوني ويصروا على مصاحبتي ومشاركتى أداء المناسك كل حسب ظروفه بحيث أنه في فترة بقائي في مكة كان دائماً معي أحد الأبناء وأسرته وأحياناً يكون اثنين منهم وتقريباً في كل عمرة كان يكون معي أحد الأبناء وفي فترة بقائي بالمدينة المنورة كان يصاحبني أيضاً أحدهم وأسرته .

وكم كان شعور لا أستطيع أن أصفه من روعته حين استقبالي الكعبة المشرف والنظر إليها لأول مرة بعد انقضاء هذه الفترة الطويلة وكأني كنت تائه واهتديت إلى السبيل .

ودخول الحرم النبوي في المدينة المنورة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكينة النفس للصلاة في المسجد الذي صلى فيه عليه الصلاة والسلام وجلس فيه مع الصحابة رضي الله عنهم .. والصلاة في الروضة ودمعات تذرف هنا وهناك ، والسلام على أفضل خلق الله وزيارة قبره وعلى أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .

ولم تفوتنا زيارة البقيع ومقابر شهداء أحد ومسجد القبلتين والصلاة في مسجد قباء وكم كانت جولة تتناقلنا في ربوع السيرة العطرة لحياة الرسول صلاة الله وسلامه عليه .

والحقيقة جهود مشكورة بذلتها المملكة لتوسعة وتحديث وتطوير كل ما رأيت حفظ الله وعظم أجر كل من ساهم فيها .

والحمد لله جمَّعت كل ما يشغلني بقلبي وربطته بطرف لساني .. أناجي الله عز وجل وأبث له تبارك وتعالى كل ما في قلبي وأسأله وأتمادى في السؤال وأطلب وأثقل في طلباتي ولا أخشى أن يمل من طلبي سبحانه بل أخشى أن أنسى طلب أو سؤال في بثي .. وإن كان جلت قدرته يعلم السر وأخفى .

ودعوت لكل من طلب منى الدعاء ولمن لم يطلب أيضاً من أهلي وأحبائي ولأمة محمد عليه الصلاة والسلام .

والحمد لله رب العالمين . .

اللهم تقبل ..

…..

بقلم محمود مرسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق