الأربعون النووية -
الجزء الرابع
كتبهامحمود مرسي ، في 25 يونيو 2007 الساعة: 13:45 م
الأربعــون النووية
لجزء الرابع
…..
الحديث العاشر - إن الله طيب
لا يقبل إلا طيباً ..
عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) : إن الله تعـالى طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله
أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات
واعملوا صالحاً)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) ثم ذكر الرجل يطيل
السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام،
وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟. (رواه مسلم)
.
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم :(( إن الله تعالى طيب )) ، عن عائشة رضي
الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى عليه وسلم يقول :(( اللهم إني أسألك باسمك
المطهر الطاهر ، الطيب المبارك الأحب إليك الذي إذا دعيت به أجبت ، وإذا سئلت به
أعطيت ، وإذا استرحمت به رحمت ، واذا استفرجت به فرجت )) ، ومعنى الطيب : المنزه
عن النقائص والخبائث ، فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء ومسلتذ الأسماء عند
العارفين بها : وهو طيب عباده لدخول الجنة بالإعمال الصالحة وطيبها لهم ، والكلمة
الطيبة : لا إله إلا الله .
قوله صلى
الله عليه وسلم : (( لا يقبل إلا طيباً )) أي فلا يتقرب إليه بصدقة حرام ، ويكره
التصدق بالرديء من الطعام كالحب العتيق المسوس ، وكذلك يكره التصدق بما فيه شبهة
قال الله تعالى : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } [البقرة:267].
فكما أنه تعالى لا يقبل المال إلا الطيب كذلك لا يقبل من العمل إلا الطيب الخالص
من شائبة الرياء والعجب والسمعة ونحوها .
قوله: فقال
تعالى: { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } [المؤمنون:51].وقوله
تعالى : { يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } [البقرة
:172]. المراد بالطيبات الحلال .
في الحديث
دليل على أن الشخص يثاب على ما يأكله إذا قصد به التقوي على الطاعة أو إحياء نفسه
،و ذلك من الواجبات ، بخلاف ما إذا أكل لمجرد الشهوة والتنعم .
قوله :((
مطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام )) أي شبع ، وهو بضم الغين المعجمة وكسر
الذال المعجمة المخففة من الغذي بالكسر والقصر ،و أما الغداء بالفتح والمد والدال
المهملة : فهو عبارة عن نفس الطعام الذي يؤكل في الغداة ، قال الله تعالى : { قال لفتاه
آتنا غداءنا } [الكهف :62] .
قوله :
((فأنى يستجاب له )) أي استبعاداُ لقبوله إجابة الدعاء ،و لهذا شرط العبادي لقبول
الدعاء أكل الحلال ، والصحيح أن ذلك ليس بشرط فقد استجاب لشر خلقه إبليس فقال : {إنك من
المنظرين } [الأعراف:15] .
…..
…..
الحديث الحادي
عشر ـ دع ما يريبك …
عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب سبط رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) وريحانته رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. (رواه
الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح) .
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )) فيه
دليل على أن المتقي ينبغي له أن لا يأكل المال الذي فيه شبهة ، كما يحرم عليه أكل
الحرام ، وقد تقدم .
قوله : ((
إلى ما لا يريبك )) أي اعدل إلى ما لا ريب فيه من الطعام الذي يطمئن به القلب
وتسكن إليه النفس . والريبة : الشك وتقدم الكلام عن الشبهة .
…..
…..
الحديث الثاني
عشر - من حُسن إسلام المرء ..
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) : من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. حديث حسن
رواه الترمذي وغيره هكذا) .
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم : (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
)) أي ما لا يهمه من أمر الدين والدنيا من الأفعال والأقوال . وقال صلى الله عليه
وسلم لأبي ذر حين سأله عن صحف إبراهيم قال :(( كانت أمثالاً كلها ، كان فيها :
أيها السلطان المغرور إني لم أبعثك لتجمع الأموال بعضها على بعض ولكن بعثتك لترد
عن دعوة المظلوم فإني لا أردها ، ولوكانت من كافر. وكان فيها : على العاقل ما لم
يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربه ،وساعة يتفكر
في صنع الله تعالى ، وساعة يحدث فيها نفسه ، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام ، وإن
تلك الساعة عون له علىتلك الساعات، .و كان فيها : على العاقل ما لم يكن مغلوباً
على عقله ، أن لا يكون ساعياً إلا في ثلاث : تزود لمعاد، ومؤنة لمعاش ،ولذة في غير
محرم .وكان فيها : على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون بصيراً لزمانه ،
مقبلاً على شأنه . حافظاً للسانه، ومن حسب الكلام من عمله يوشك أن يقل الكلام إلا
فيما يعنيه )) .
قلت : بأبي
وأمي فما كان في صحف موسى ؟ قال : (( كانت عبراً كلها ، كان فيها : عجباً لمن أيقن
بالنار كيف يضحك ، وعجباً لمن أيقن بالموت كيف يفرح ، وعجباً لمن رآى الدنيا
وتقلبها بأهلها وهو يطمئن إليها ،و عجباً لمن أيقن بالقدر ثم هو يغضب ، وعجباً لمن
أيقن بالحساب غداً وهو لا يعمل ))؟!
قلت : بأبي
وأمي هل بقي مما كان في صحفهما شيء؟ قال : ((نعم يا أباذر { قد أفلح من تزكى *
وذكر اسم ربه فصلى* بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخِرُة خيرَّ وأبقى * إنَّ هذا
لفي الصُّحُفِ الأولى * صحف إبراهيم وموسى } [الأعلى:14-19]. إلى آخر السورة .
قلت : بأبي
وأمي أوصني ،قال :(( أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك كله )) ،قال : قلت زدني ،
قال: (( عليك بتلاوة القرآن واذكر الله كثيراً فإنه يذكرك في السماء )) ، قلت زدني
، قال :(( عليك بالجهاد فإنه رهبانية المؤمنين )) ، قلت زدني ، قال : (( عليك
بالصمت فإنه مطردة للشياطين عنك ، وعون لك على أمر دينك )) ، قلت زدني ، قال : ((
قل الحق ولو كان مراً )) ،قلت زدني ، قال :(( لا تأخذك في الله لومة لائم ))، قلت
:زدني، قال((صل رحمك وإن قطعوك ))، قلت: زدني ، قال : ((بحسب امرئ من الشر ما يجهل
من نفسه ، ويتكلف ما لا يعنيه . يا أبا ذر : لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكف، ولا
حسن كحسن الخلق )) .
…..
…..
الحديث الثالث
عشر - لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ..
عن أبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه خادم رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: لا يؤمن
أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه. (رواه البخاري ومسلم) .
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه )): الأولى أن يحمل ذلك علىعموم الأخوة ، حتي يشمل الكافر والمسلم، فيحب
لأخيه الكافر ما يحب لنفسه من دخوله في الإسلام ، كما يحب لأخيه المسلم دوامه على
الإسلام ،ولهذا كان الدعاء بالهداية للكافر مستحباً، والحديث محمول على نفي
الإيمان الكامل عمن لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه . والمراد بالمحبة إرادة الخير
والمنفعة، ثم المراد: المحبة الدينية لا المحبة البشرية ، فإن الطباع البشرية قد
تكره حصول الخير وتمييز غيرها عليها ، والإنسان يجب عليه أن يخالف الطباع البشرية
ويدعو لأخيه ويتمنى له ما يحب لنفسه ،والشخص متى لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه كان
حسوداً .
والحسد كما قال الغزالي: ينقسم إلى ثلاثة
أقسام : ـ
الأول : أن يتمنى زوال نعمة الغير وحصولها لنفسه
.
لثاني : أن يتمنى
زوال نعمة الغير وإن لم تحصل له كما إذا كان عنده مثلها أو لم يكن يحبها ، وهذا
أشر من الأول .
الثالث: أن لا يتمنى
زوال النعمة عن الغير ولكن يكره ارتفاعه عليه في الحظ والمنزلة ويرضى بالمساواةولا
يرضى بالزيادة ،وهذا أيضاً محرم لأنه لم يرض بقسمة الله تعالى : {أَهُمْ
يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا
يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32]. فمن لم يرض بالقسمة فقد عارض الله
تعالى في قسمته وحكمته.وعلى الإنسان أن يعالج نفسه ويحملها علىالرضى بالقضاء
ويخالفها بالدعاء لعدوه بما يخالف النفس .
…..
…..
الحديث الرابع
عشر - لا يحل دم امرئ مسلم إلا ..
عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب
الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. (رواه
البخاري ومسلم) .
شرح وفوائد
الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: (( الثيب الزاني )) المراد : من تزوج
ووطىء في نكاح صحيح ثم زنا بعد ذلك ، فإنه يرجم ، وإن لم يكن متزوجاً في حالة
الزنا لاتصافه بالإحصان .
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( والنفس بالنفس )) أي بشرط المكافأة فلا يقتل المسلم بالكافر
ولا الحر بالعبد عند الشافعية ، لا الحنفية .
قوله صلى
الله عليه وسلم :(( والتارك لدينه المفارق للجماعة ))وهو المرتد والعياذ بالله
تعالى ، وقد يكون موافقاً للجماعة كاليهودي إذا تنصر ، وبالعكس يقتل لأنه تارك
لدينه غير مفارق للجماعة ، وفيه قولان ، أصحها : لا يقتل بل يلحق بالمأمن .
والثاني :يقتل لأنه اعتقد بطلان دينه الذي كان عليه وانتقل إلى دين كان يرى بطلانه
قبل ذلك ، وهو غير الحق فلا يترك بل إن لم يسلم يقتل ،وقد تقدم القتل أيضاً في
صورة سبق الكلام عليها .