الثلاثاء، 29 أكتوبر 2024

فلنخلص أعمالنا لله

 

فلنخلص أعمالنا لله

…..

حديث قدسي

إن أول من يقضى يوم القيامة عليه …

…..

حدثنا يحيى بن حبيب الحارثى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا ابن جريج حدثنى يونس بن يوسف عن سليمان بن يسار قال تفرق الناس عن أبى هريرة فقال له ناتل أهل الشام أيها الشيخ حدثنا حديثا سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال نعم سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول » إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِىءٌ. فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِى النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلاَّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِىَ فِى النَّارِ. «

…..

صحيح مسلم بشرح النووي
قَوْله : ( تَفَرَّقَ النَّاس عَنْ أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ لَهُ نَاتِل أَهْل الشَّام أَيّهَا الشَّيْخ ) ‏هُوَ بِالنُّونِ فِي أَوَّله , وَبَعْد الألِف تَاء مُثَنَّاة فَوْق , وَهُوَ : نَاتِل بْن قَيْس الْحِزَامِيُّ الشَّامِيّ مِنْ أَهْل فِلَسْطِين , وَهُوَ تَابِعِيّ , وَكَانَ أَبُوهُ صَحَابِيًّا , وَكَانَ نَاتِل كَبِير قَوْمه . ‏

قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَازِي وَالْعَالِم وَالْجَوَاد وَعِقَابهمْ عَلَى فِعْلهمْ ذَلِكَ لِغَيْرِ اللَّه , وَإِدْخَالهمْ النَّار : دَلِيل عَلَى تَغْلِيط تَحْرِيم الرِّيَاء وَشِدَّة عُقُوبَته , وَعَلَى الْحَثّ عَلَى وُجُوب الإخْلاص فِي الأعْمَال , كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّه مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين } وَفِيهِ : أَنَّ الْعُمُومِيَّات الْوَارِدَة فِي فَضْل الْجِهَاد إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّه تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا , وَكَذَلِكَ الثَّنَاء عَلَى الْعُلَمَاء وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوه الْخَيْرَات كُلّه مَحْمُول عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا .

…..

تعليق
هذا جزاء من قصد بعمله غير وجه الله ، وابتغي به ثناء الناس عليه أو أراد به متاع الحياة الدنيا . وهو جزاء حاسم صارم ، ولكنه حكيم عادل ، فقد فرض الله على عباده العمل الصالح ليقصدوه به ، ويتجهوا به إليه . فمن فعل الطاعات وأراد بها غير الله .. فكيف ينتظر على ذلك ثواباً من الله !! .

ومن تمام عدل الله أن يوفي كل عامل أجره ، فهؤلاء اللذين ابتغوا بأعمالهم ثناء الناس ومدحهم وكان ذللك هو الغاية من عملهم قضى الله لهم في الدنيا ما أرادوا ليحرمهم يوم القيامة من عظيم ثوابه وكريم عطائه ، وليُسَعِّر بهم النار جزاء ما عملوا من عمل لم يبتغوا به وجهه .

والعجب العجب ممن يبذل الجهد والوقت بل والمال والنفس لمن لا يملك أن يجزيه إلا قليلاً حقيراً زائلاً فانياً ، وكان أولى به أن يبذل ذلك لمن ثوابه عظيم وجزاؤه مقيم .

…..


المصادر
نص الحديث : صحيح مسلم
34 - كتاب الإمارة
43 - باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار
حديث 5032
من موقع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
http://www.alazhr.com

الشرح : صحيح مسلم بشرح النووي
من موقع الإسلام
http://www.al-islam.com

التعليق : من كتاب جامع الأحاديث القدسية
تأليف أبو عبد الرحمن عصام الدين الصبابطي

…..

بقلم محمود مرسي

…..

مبارزة العصر

 

مبارزة العصر

…..

داهمني الوقت ؛ ..

فداهمته ،

فقاتلني ؛ ..

وقاتلته ،

فحاول أن يصرعني ؛ ..

ولقتلت نفسي إن أنا صرعته ؛ ..

ولن أفعل والعياذ بالله ما يكفرني ،

فاستسلمت له ؛ ..

وتركته .

فلا تؤاخذوني ؛ ..

إن تأخرت عليكم .

…..

بقلم محمود مرسي

…..

همســـة إلى الســـماء

 همســـة إلى الســـماء

أدب الحوار

…..

ـــ تعلمت ُ الصلاة يا أمي ..
ـــ حببتِها إلى قلبي ..
ـــ يسرتِها على لساني ،
ـــ أحببتُ أن أقول لله ..
ـــ وأحببتُ أن يسمع منِّي ،
ـــ وتعلق قلبي بالله يا أمي ،
ـــ فاستغرقي في عملك ..
ـــ ولا تخشي عليَّ الوحدة لأني ..
ـــ مع الله لا أكون وحيدا ،
ـــ ولكن علميني الدعاء .

ـــ نضَجَتْ حواسك يا ولدي ..
ـــ وامتلأ قلبك بالإيمان والحس ،
ـــ إرفع يديك وقل يا رب ..
ـــ وهو قريب يسمع الهمس ،
ـــ اطلب منه ما شئت ..
ـــ فإنه القادر المعطي ..
ـــ خزائنه لا تنفذ ولا تعرف النقص .

ـــ لا أطلب لنفسي يا أمي ..
ـــ فأنتِ سبقتِ وطلبتِ لي ..
ـــ وكرم ربي فاض يغمرني ،
ـــ إنما أطلب لغيري ..
ـــ مثلما أنتِ وأبي .

ـــ تَذَكَّر أي صورة آلَمَتك ..
ـــ واطلب رحمة الله فيها .

ـــ تذكرتُ صورة طفل مقتول ..
ـــ برصاصٍ تَرَشَّقَ في جسده ؛
ـــ أأطلب له الجنة يا أمي ؟

ـــ الأطفال إذا ماتت ..
ـــ صفاؤهم وبراءتهم جعَلَتْ ..
ـــ لهم أبواب الجنة انفتحت .

ـــ ولِمَ إذن في الصورة التي عُرِضَتْ ..
ـــ على الشاشةِ نرى الأطفال قد قُتِلَتْ ..
ـــ وهي للأخطاء ما ارتكبت ؟

ـــ رصاص الغدر يا ولدي ..
ـــ لا يفرق بين شيخ .. طفل .. أو جندي .

ـــ ومن يقول لهم ’’كُفُّوا‘‘ يا أمي ؟

ـــ ضمائرهم وضمائر حكامنا وقوتنا ..
ـــ ولكن الصمت أعماهم وأعمانا .

ـــ إذن سأدعو الله للجندي ..
ـــ بأن ينصره على ذاك المعتدي ،
ـــ وأدعو الله أن يحمي ..
ـــ الشيخ والطفل والأنثى ..
ـــ ويرحمهم من الأوجاع والألم ،
ـــ ويذيق الأعادي الضعف والوهن ..
ـــ ويسلط عليهم سخطه وغضبه ..
ـــ ويصب عليهم الجوع والمحن ،
ـــ ويرعى لي أبي ويحميه ..
ـــ ويرعاكِ لي ويحميكِ يا أمي .

ـــ ويحميكَ يا ولدي ،
ـــ آمين .. آمين .. آمين .

…..

بقلم محمود مرسي

الاثنين، 28 أكتوبر 2024

غذاء الوجدان

كتبهامحمود مرسي ، في 27 يوليو 2009 الساعة: 12:08 م

غذاء الوجدان

…..

كم هو جميل أن تلتقي بأبنائك بعد غياب عدة أشهر قد تصل لعامين !

كم هو جميل أن تكسر المسافات بينك وبينهم وتضمهم إلى صدرك

كم هو رائع أن تجلس وسط أحفادك تداعبهم ويداعبونك كل حسب سنه

منهم من هو في الثالثة من عمره يجلس على رجلي ويهمس في أذني قليلاً ثم يصرخ ليفزعني .. فأضمه وأدغدغ بطنه بذقني لأغرقه في موجة من الضحك

ومنهم من هو في الخامسة ويشكو من أن أمه تعامله كما لو كان صغيراً في حين أنه يرى كم هو أصبح كبيراً وناضجاً !

ومنهم من هي في الرابعة وتستعرض بما تعلمته في مدرستها من مفردات وأناشيد ، ثم تنهال علي بالأسئلة الساذجة البسيطة التي تحيرنا أحياناً مثل ..
لماذا هذه البقعة الخشنة الداكنة في جبهتك ولا توجد مثلها في جبهتي ؟
لماذا تقوم بحلاقة ذقنك في حين أبي ذقنه طويل ؟
والكثير من الملاحظات الدقيقة التي تتبعها الأسئلة البريئة ، وعلي الحذر الشديد في الردود حتى لا أفقد مصداقيتي عندها أو أدخلها في مهاترات من أي نوع

ومنهم من هو في الثانية من عمره ولكنه لا يحب الثرثرة وإن كان يناديني “عمو” فأقول له أنا “جدو” وتتكرر وتتكرر ويحب الحرية جداً ويأبى أي فرد يمسك يده أثناء السير وإن كان ينصاع لتوجيهه اللفظي . ولا يترك لأحد إحدى ممتلكاته من اللعب مطلقاً إلا برغبته هو .

ومنهم الأصغر والرضيعة وكلهم يثلجون صدري حين جلوسي بينهم أو بين بعضهم هم وأبنائي وزوجاتهم وهذا جانب من غذاء الوجدان .

ويالها من جولة لاستعادة ذكريات مر عليها ثلاثون عاماً ؛ أجريناها أثناء مكوثنا في مدينة جدة عند أحد أبنائي حيث خرجنا وأسرته في سيارته لننقب عن بعض تفاصيل حياتنا حينما كنا نقطن في هذه المدينة الساحرة .

فلنبحث عن السكن الذي كنا به بحي البغدادية وهو بعمارة خصصت لسكن العاملات بكلية التربية للبنات حيث كانت تعمل زوجتي ، ولما هدانا الله إليه بعد بحث أشرت لابني إلى الشقة التي كنا بها وأنه كان طفلا يحبو بها وقتها .

وواصلنا البحث عن عمارة الملكة والأسواق المحيطة بها والتي كنا نقضي فيها أوقاتاً كثيرة حتى اهتدينا لها وكانت إضافة لمعلومات ابني الجغرافية عن المدينة التي أصبحت مترامية الأطراف التي يقطن بها .

وكان هذا جانب آخر من غذاء الوجدان .

ورغم أن الأولاد كانوا يتجاذبونني أنا وأمهم (زوجتي) للبقاء أيام أكثر عند هذا الإبن أو ذاك برغبة وترحاب لم أجد له مثيل إلا أني كنت أفر منهم لأداء الجانب الأهم من الغذاء الوجداني ألا وهو أداء العمرة والزيارة للحرم النبوي الشريف والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولكنهم لا يتركوني ويصروا على مصاحبتي ومشاركتى أداء المناسك كل حسب ظروفه بحيث أنه في فترة بقائي في مكة كان دائماً معي أحد الأبناء وأسرته وأحياناً يكون اثنين منهم وتقريباً في كل عمرة كان يكون معي أحد الأبناء وفي فترة بقائي بالمدينة المنورة كان يصاحبني أيضاً أحدهم وأسرته .

وكم كان شعور لا أستطيع أن أصفه من روعته حين استقبالي الكعبة المشرف والنظر إليها لأول مرة بعد انقضاء هذه الفترة الطويلة وكأني كنت تائه واهتديت إلى السبيل .

ودخول الحرم النبوي في المدينة المنورة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكينة النفس للصلاة في المسجد الذي صلى فيه عليه الصلاة والسلام وجلس فيه مع الصحابة رضي الله عنهم .. والصلاة في الروضة ودمعات تذرف هنا وهناك ، والسلام على أفضل خلق الله وزيارة قبره وعلى أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .

ولم تفوتنا زيارة البقيع ومقابر شهداء أحد ومسجد القبلتين والصلاة في مسجد قباء وكم كانت جولة تتناقلنا في ربوع السيرة العطرة لحياة الرسول صلاة الله وسلامه عليه .

والحقيقة جهود مشكورة بذلتها المملكة لتوسعة وتحديث وتطوير كل ما رأيت حفظ الله وعظم أجر كل من ساهم فيها .

والحمد لله جمَّعت كل ما يشغلني بقلبي وربطته بطرف لساني .. أناجي الله عز وجل وأبث له تبارك وتعالى كل ما في قلبي وأسأله وأتمادى في السؤال وأطلب وأثقل في طلباتي ولا أخشى أن يمل من طلبي سبحانه بل أخشى أن أنسى طلب أو سؤال في بثي .. وإن كان جلت قدرته يعلم السر وأخفى .

ودعوت لكل من طلب منى الدعاء ولمن لم يطلب أيضاً من أهلي وأحبائي ولأمة محمد عليه الصلاة والسلام .

والحمد لله رب العالمين . .

اللهم تقبل ..

…..

بقلم محمود مرسي

الرحلة الأخيرة

 كتبهامحمود مرسي ، في 29 يونيو 2009 الساعة: 13:49 م

الرحلة الأخيرة

…..

كانت لا تستطيع الحركة إلا النذر اليسير بيديها ولا توجههما بشكل سليم وحسبما ترغب هي .. والله أعلم .

فكانت لا تستطيع الكلام إلا كلمة ’’آه‘‘ بمعانيها المختلفة حسب طول الكلمة وارتفاعها ونبرتها فتعبر بها عن الألم أو الموافقة أو الرضا ، ولم يحرمها الله عز وجل من استطاعة أن تقول ’’لأ‘‘ لترفض في بعض الإجابات على الأسئلة البسيطة التي نوجهها إليها .. كحاجتها للماء أو الطعام أو النوم

ولا تستوعب ذاكرتها أي شيء كما نتصور نحن .. والله أعلم .. ولكن الواضح أنها فصلت تماماً بين صورة أولادها وصورة من يقومون بخدمتها .. نحن أولادها .. كنا بالنسبة لها كغرباء موثوق بهم .. والله أعلم .

إنها أمي .. في الخامسة والثمانين من عمرها

كانت زوجتي .. بارك الله فيها .. تتعاون معي في حملها من سريرها لكرسيها المتحرك ، ثم أدفعه بها إلى الحمام لتقوم زوجتي بتحميتها وتغيير ملابسها وتدفع كرسيها خارج الحمام لنذهب بها إلى كرسي أسيوطي مريح نجلسها عليه ونحيطها بالوسائد كي تستند عليها ولا تقع ، فهي لا تستطيع صَلْبَ جذعها .

كانت بلا أسنان ، ورفضت استخدام طقم الأسنان أثناء وعيها وحركتها منذ سنوات .. فكنا نعتمد في إطعامها على فرم اللحوم ووضعها على الأرز والخضار المطهي المفروم وتكسير أقراص دوائها عليها .. وغالباً تقوم زوجتي بإطعامها وأحياناً أقوم أنا ، ونعرض عليها الماء والعصائر والفاكهة المخفوقة والزبادي والمهلبية وما شابه مما يسهل بلعه باستمرار .

وكان هذا ما يحدث أيضاً في بيت أخي الذي يصغرني ببضع السنوات والمتزوج من أخت زوجتي ، فكانت تبقى عنده في منطقة نادي الرماية بالهرم شهراً وعندي في مدينة حلوان شهراً على التوالي ، حتى أصيبت وهي عندي بالسعال ، فهرولت وأحضرت الطبيب الذي وصف العلاج وأبلغني أنه من المستحسن عمل إشاعة على صدرها . ولكن سنؤجلها لحين رؤية استجابتها للعلاج

ثم فقدت القدرة على البلع ، فهرولت إلى طبيب آخر فقال لا بد من تعليق المحاليل لها ، وتحتاج إلى تمريض مستمر ، فقلت له سنوفره لها بالمنزل .

وما كانت إلا ليلة واحدة وفي الفجر لاحظت أنها تتنفس بصعوبة وشبه غائبة عن الوعي .. فاتصلت بالإسعاف ، واتصلت بأخي الذي كان بالغردقة يغسل حر الصيف ، واتصلت بأختي وكانت تكبر أخي عاماً تقريباً وتقطن في مدينة 6 أكتوبر وقالت كن على اتصال بي حتى أصل إليك .

ونقلت إلى سيارة الإسعاف في السادسة صباحاً صحبها حفيدها .. إبني الأصغر طالب في السنة النهائية بإذن الله في كلية التجارة .. وأقود أنا سيارتي خلفهم مباشرة لنطوف بمستشفيات مدينة حلوان ..عاصمة محافظة حلوان التي اقتطعت من محافظة القاهرة .. ولم أجد لها مكاناً بإحدى هذه المستشفيات بالرعاية المركزة …..

ورأيت الطبيب الذي أتى يجري بمستشفى الإنتاج الحربي وتوجه إليها داخل سيارة الإسعاف يتفحصها رغم علمه بعدم وجود مكان لها بمستشفاه .. ويتأثر لحالها ويتفاعل إيجاباً معي ويرشدني إلى مستشفيات أخرى علي أجد لها مكاناً بها ……

ورأيت رجلي الإسعاف وتعاطفهما الشديد معي وتأكيدهما أنهما لن يتركاني إلا بعد الاطمئنان عليها في إحدى المستشفيات ……

كما رأيت مستشفى .. واأسفاه .. إنها تتبع إحدى الجمعيات الإسلامية الخيرية .. بها طبيبة شابة مناوبة تكاد ان تكون تخرجت بالأمس لصغر سنها البادي عليها .. قالت سنأخذها ويوجد مكان لها بالرعاية المركزة لدينا ، ونقلها رجال الإسعاف للسرير الذي أوصت به الطبيبة وانصرف رجال الإسعاف مشكورين . وبهو الرعاية المركزة بالدور الثالث ولا يوجد مصعد كهربي والبهو خال كما رأيت من المرضى سوى أمي .

واتصلت تلفونياً بأختى التي كانت تقطع الطريق هي وزوجها بسيارتهما لأخبرها عن مكاننا ، وأرسلت إبني بسيارتي ليحضر زوجتي (أمه) ومعها بعض المتطلبات . وجلست في الاستراحة كما قالوا لي ريثما يتفحصوها . وإذ بالطبيبة تأتي إلي لتقول ..’’إحنا مش ح نقدر ناخد الحاجَّة لأنها تحتاج لتنفس صناعي وليس لدينا جهاز فائض لها‘‘ .

وأي فرد في مكاني لابد أن يثور .. ’’كيف يكون التخبط في اتخاذ قرار قبولها من عدمه بالمستشفى .. وكيف بعد انصراف سيارة الإسعاف ونقل الخبر لأختي وطلب زوجتي للحضور وسيارتي ليست معي إنها مع إبني !!‘‘ . وبدلاً من أن تقدر حالتي وحالة المريضة ..تطلب مني أن أحدثها بطريقة أفضل !! علماً بأنني لم يصدر عني أي لفظ غير لائق لأني رجل تربوي في الأصل .

وأشكر كل من ساهم في اختراع ونشر التليفونات المحمولة فهي أساسية في مثل هذه المواقف . المهم أحضرت سيارة الإسعاف مرة أخرى ولحسن الحظ كانت نفس السيارة السابقة بنفس الأشخاص ، وقالت لي إدارة المستشفى إدفع لنا خمسون جنيهاً كشف طبيبة الرعاية . وبعد خروجنا من المستشفى هذه أبلغني رجل الإسعاف بأن المستشفى رفضت هذه الحالة لقولهم أن المريضة لا يبقى لها سوى ساعات وتفارق الدنيا ، ونصحني بإعادتها للمنزل لتقابل ربها بسلام والرأي يعود إليك . فقلت لهم بل سأفعل كل ما أستطيع حتى وإن صح قولهم فلتقابل ربها وهي هادئة في ظل رعاية تمنع عنها ضيق التنفس وتهدئ حالتها. فقالوا نحن معك أينما شئت . ولحقت بي أختي ولم نترك أي مستشفى بحلوان يليق بإيواء ’’أمي‘‘ إلا وبحثنا به عن مكان لها ، ولما لم نجد توجهنا لمنطقة ’’المعادي‘‘ وباء البحث بالفشل أيضاً .. ولكن في مستشفى النخيل بالمعادي وأثناء النقاش ورد إسم مستشفى الشيخ زايد التخصصي وقال موظف الاستقبال أنه لبعدها بجوار 6 أكتوبر على طريق الاسكندرية الصحراوي ممكن وجود أماكن بها ، واتصل بهم تليفونياً ، وخاطبت طبيب العناية المركزة بها فقال لي لا بد من فحصها ، فوصفت له الحالة وقلت إذا كان هناك أماكن سأسرع بها إليك لفحصها ، فقال توجد أماكن إن شاء الله .. فتوجهنا بسيارة الإسعاف إلى هناك على الفور.

وكانت الخدمة والاهتمام بها في غاية الروعة ، بمجرد دخولها طلب الطبيب الفحص .. فكانوا يجرون بها على تروللى الإسعاف لعمل الفحوصات والأشعات بأنواعها والتحاليل والقياسات ، صعوداً وهبوطاً بالمصاعد من معمل لآخر .. حتى استقرت علي سريرها بحجرة الرعاية المركزة المكتظة بالأجهزة الحديثة المتطورة ، وكان هذا في الساعة الحادية عشر صباحاً بعد رحلة بدأت من السادسة صباحاً ومعنا رجال الإسعاف لآخر الوقت . وأخيراً استقرت وقالوا لنا يمكنكم زيارتها الخامسة عصراً .

وكان أخي قد عاد من الغردقة والتقينا عندها في الخامسة عصراً لزيارتها .. كانت هادئة ، تتنفس بسهولة ، وجميع الأجهزة حولها تعمل على تنظيم وظائفها بفضل الله وكانت لا تزال في غيبوبة ، وقلت الحمد لله .

وفي صباح اليوم التالي في الساعة السابعة ؛ اتصل بي أخي ليبلغني أنه في اتصال هاتفي بالمستشفى للاستفسار عن حالتها ، قالوا له .. البقاء لله.

وكانت رغبتها أن تدفن في مدينة الاسماعيلية في مدافن عائلتها ، وتوجهنا بها في رحلتها الأخيرة إلى هناك ، وقام عدد غفير من أقاربها وغيرهم من المصلين بالصلاة عليها بعد صلاة العصر مباشرة في مسجد المطافي بالاسماعيلية ، وذهبت إلى مثواها الأخير في مدافن عائلتها . رحمها الله ، وجعل قبرها روضة من رياض الجنة ، وغفر لها ، وأسكنها الجنة ، فقد كانت ……

…..

بقلم محمود مرسي